فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)} أي حرّكت من أصلها.
كذا رَوى عِكرْمة عن ابن عباس، وكان يقول: في النفخة الأولى يزلزلها وقاله مجاهد؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة تتبَعُهَا الرادفة} [النازعات: 6-7] ثم تزلزل ثانية، فتُخرج موتاها وهي الأثقال.
وذُكِر المصدر للتأكيد، ثم أضيف إلى الأرض؛ كقولك: لأُعطينَّك عطِيتك؛ أي عطيتي لك.
وحسن ذلك لموافقة رؤوس الآي بعدها.
وقراءة العامة بكسر الزاي من الزلزال.
وقرأ الجحدرِيّ وعيسى بن عمر بفتحها، وهو مصدر أيضًا، كالوَسواس والقلقال والجَرْجار.
وقيل: الكسر المصدر، والفتح الاسم.
{وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالهَا (2)}
قال أبو عبيدة والأخفش: إذا كان الميت في بطن الأرض، فهو ثِقل لها. وإذا كان فوقها، فهو ثِقل عليها.
وقال ابن عباس ومجاهد: {أثقالها}: موتاها، تُخرجهم في النفخة الثانية، ومنه قيل للجن والإنس: الثَّقَلان.
وقالت الخنساء:
أبعد ابنِ عمرٍو مِن آل الشرِ ** يدِ حَلَّتْ به الأرضُ أثقالها

تقول: لما دفن عمرو صار حِلية لأهل القبور، من شرفه وسؤدده.
وذكر بعض أهل العلم قال: كانت العرب تقول: إذا كان الرجل سفاكًا للدماء: كان ثِقلًا على ظهر الأرض؛ فلما مات حَطّت الأرض عن ظهرها ثِقْلها.
وقيل:
{أثْقالها} كنوزها؛ ومنه الحديث: «تقيء الأرض أفلاذَ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة...».
قوله تعالى: {وَقال الإنسان} أي ابن آدم الكافر. فروى الضحاك عن ابن عباس قال: هو الأسود بن عبد الأسد.
وقيل: أراد كل إنسان يشاهد ذلك عند قيام الساعة في النفخة الأولى: من مؤمن وكافر.
وهذا قول من جعلها في الدنيا من أشراط الساعة؛ لأنهم لا يعلمون جميعًا مِن أشراط الساعة في ابتداء أمرها، حتى يتحققوا عمومها؛ فلذلك سأل بعضهم بعضًا عنها.
وعلى قول من قال: إن المراد بالإنسان الكفار خاصة؛ جعلها زلزلة القيامة؛ لأن المؤمن معترف بها، فهو لا يَسأل عنها، والكافر جأحد لها، فلذلك يَسأل عنها.
ومعنى {مَا لَهَا} أي مالها زُلْزلت.
وقيل: ما لها أَخْرَجَتْ أثقالها، وهي كلمة تعجيب؛ أي لأيّ شيء زلزلت.
ويجوز أن يحيي الله الموتى بعد وقوع النفخة الأولى، ثم تتحرّك الأرض فتخرج المَوْتَى وقد رأوا الزلزلة وانشقاق الأرض عن الموتى أحياء، فيقولون من الهول: مالَهَا. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض}
أي حركت تحريكًا عنيفًا متداركًا متكررًا {زِلْزَالَهَا} أي الزلزال المخصوص بها الذي تقتضيه بحسب المشيئة الإلهية المبنية على الحكم البالغة وهو الزلزال الشديد الذي ليس بعده زلزال فكان ما سواه ليس زلزالًا بالنسبة إليه أو زلزالها العجيب الذي لا يقادر قدره فالإضافة على الوجهين للعهود ويجوز أن يراد الاستغراق لأن زلزالًا مصدر مضاف فيعم أي زلزالها كله وهو استغراق عرفي قصد به المبالغة وهو مراد من قال أي زلزالها الداخل في حيز الإمكان أو عني بذلك العهد أيضًا.
وقرأ الجحدري وعيسى {زلزالها} بفتح الزاي وهو عند ابن عطية مصدر كالزلزال بالكسر وقال الزمخشري المكسور مصدر والمفتوح اسم للحركة المعروفة وانتصب هاهنا على المصدر تجوزًا لسده مسد المصدر وقال أيضًا ليس في الأبنية فعلال بالفتح إلا في المضاعف وذكروا أنه يجوز في ذلك الفتح والكسر إلا أن الأغلب فيه إذا فتح أن يكون بمعنى اسم الفاعل كصلصال بمعنى مصلصل وقضقاض بمعنى مقضقض ووسواس بمعنى موسوس وليس مصدرًا عند ابن مالك وأما في غير المضاعف فلم يسمع إلا نادرًا سواء كان صفة أو اسمًا جامدًا وبهرام وبسطام معربان أن قيل بصحة الفتح فيهما ومن النادر خزعال بمعجمتين وهو الناقة التي بها ظلع ولم يثبت بعضهم غيره وزاد ثعلب قهقازًا وهو الحجر الصلب وقيل هو جمع وقيل هو لغة ضعيفة والفصيحة قهقر بتشديد الراء وزاد آخر قسطالًا وهو الغبار وهذا الزلزال على ما ذهب إليه جمع عند النفخة الثانية لقوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقالهَا} فقد قال ابن عباس أي موتاها وقال النقاش والزجاج ومنذر بن سعيد أن كنوزها وموتاها وروي عن ابن عباس أيضًا وهذه الكنوز على هذا القول غير الكنوز التي تخرج أيام الدجال على ما وردت به الأخبار وذلك بأن تخرج بعضا في أيامه وبعضًا عند النفخة الثانية ولا بعد في أن تكون بعد الدجال كنوز أيضًا فتخرجها مع ما كان قد بقي يومئذ هو عند النفخة الأولى و{أثقالها} ما في جوفها من الكنوز أو منها ومن الأموات ويعتبر الوقت ممتدا وقيل يحتمل أن يكون اخراج الموتى كالكنوز عند النفخة الأولى وإحياؤها في النسخة الثانية وتكون على وجه الأرض بين النفختين وأنت تعلم انه خلاف ما تدل عليه النصوص وقيل إنها تزلزل عند النفخة الأولى فتخرج كنوزها وتزلزل عند الثانية فتخرج موتاها وأريد هنا بوقت الزلزال ما يعم الوقتين واقتصر بعضهم على تفسير الأثقال بالكنوز مع كون المراد بالوقت وقت النفخة الثانية وقال تخرج الأرض كنوزها يوم القيامة ليراها أهل الموقف فيتحسر العصاة إذا نظروا إليها حيث عصوا الله تعالى فيها ثم تركوها لا تغنى عنهم شيئًا وفي الحديث تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوانات من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا وقيل إن ذلك لتكوى بها جباه الذين كنزوا وجنوبهم وظهورهم وأيًا ما كان فالأثقال جمع ثقل بالتحريك وهو على ما في القاموس متاع المسافر وكل نفيس مصون وتجوز به هاهنا على سبيل الاستعارة عن الثاني وجوز أن يكون جمع ثقل بكسر فسكون بمعنى حمل البطن على التشبيه والاستعارة أيضًا كما قال الشريف المرتضى في الدرر وأشار إلى أنه لا يطلق على ما ذكر إلا بطريق الاستعارة ومنهم من فسر الأثقال هاهنا بالأسرار وهو مع مخالفته للمأثور بعيد وإظهار الأرض في موقع الإضمار لزيادة التقرير وقيل للإيماء إلى تبديل الأرض غير الأرض أو لأن إخراج الأرض حال بعض أجزائها والظاهر أن اخراجها ذلك مسبب عن الزلزال كما ينفض البساط ليخرج ما فيه من الغار ونحوه وإنما اختيرت الواو على الفاء تفويضًا لذهن السامع كذا قيل ولعل الظاهر انه لم ترد السببية والمسببية بل ذكر كل مما ذكر من الحوادث من غير تعرض لتسبب شيء منها على الآخر.
{وَقال الإنسان} أي كل فرد من أفراد الإنسان لما يبهرهم من الطامة التامة ويدهمهم من الداهية العامة {مَا لَهَا} تزلزلت هذه المرتبة من الزلزال وأخرجت ما فيها من الأثقال استعظامًا لما شاهدوه من الأمر الهائل وقد سيرت الجبال في الجو وصيرت هباء وذهب غير واحد إلى أن المراد بالإنسان الكافر غير المؤمن بالبعث والاظهر هو الأول على أن المؤمن يقول ذلك بطريق الاستعظام والكافر بطريق التعجب.
{يَوْمَئِذٍ} بدل من {إذا} وقوله تعالى: {تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا} أي الأرض واحتمال كون الفاعل المخاطب كما زعم الطبرسي لا وجه له عامل فيهما وقيل العامل مضمر يدل عليه مضمون الجمل بعد والتقدير يحشرون إذا زلزلت و{يومئذ} متعلق بـ: {تحدث} وإذ عليه لمجرد الظرفية وقيل هي نصب على المفعولية لا ذكر محذوفًا أي اذكر ذلك الوقت فليست ظرفية ولا شرطية وجوز أن تكون شرطية منصوب بجواب مقدر لأأي يكون ما لا يدرك كنهه أو نحوه والمراد يوم إذا زلزلت زلزالها وأخرجت أثقالها وقال الإنسان ما لها تحدث الخلق ما عندها من الأخبار وذلك بأن يخلق الله تعالى فيها حياة وداكًا وتتكلم حقيقة فتشهد بما عمل عليها من طاعة أو معصية وهو قول ابن مسعود والنوري وغيرهما ويشهد له الحديث الحسن الصحيح العريب أخرج الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {يومئذ تحدث أخبارها} ثم قال أتدرون ما أخبارها قالوا الله ورسوله أعلم، قال فإن أخبارها إن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول عمل يوم كذا كذا فهذه أخبارها».
والباء في قوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} للسببية أي تحدث بسبب إيحاء ربك لها وأمره سبحانه إياها بالتحديث واللام بمعنى إلى أي أوحى إليها لأن المعروف تعدى الوحي بها كقوله تعالى: {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} [النحل: 68] لكن قد يتعدى باللام كما في قول العجاج يصف الأرض:
أوحى لها القرار فاستقرت ** وشدها بالراسيات الثبت

ولعل اختيارها لمراعاة الفواصل وجوز أن تكون اللام للتعليل أو المنفعة لأن الأرض بتحديثها بعمل العصاة يحصل لها تشف منهم بفضحا إياهم بذكر قبائحهم والموحى إليه هي أيضًا والوحي يحتمل أن يكون وحي الهام وان يكون وحي ارسال بأن برسل سبحانه إليها رسولًا من الملائكة بذلك وقال الطبري وقوم التحديث استعارة أو مجاز مرسل لمطلق دلالة حالها والإيحاء أحداث ما تدل به فيحدث عز وجل فيها من الأحوال ما يكون به دلالة تقوم مقام التحديث باللسان حتى ينظر من يقول مالها إلى تلك الأحوال فيعلم لم زلزلت ولم لفظت الأموات وإن هذا ما كانت الأنبياء عليهم السلام ينذرونه ويحذرون منه وما يعلم هو أخبارها وقيل الإيحاء على تقدير كون التحديث حقيقيًا أيضًا مجاز عن أحداث حالة ينطقها سبحانه بها كإيجاد الحياة وقوة التكلم والأخبار على ما سمعت آنفا وقال يحيى بن سلام تحدث بما أخرجت من أثقالها ويشهد له ما في حديث ابن ماجة في سننه تقول الأرض يوم القيامة يا رب هذا ما استودعتني وعن ابن مسعود تحدث بقيام الساعة إذا قال الإنسان مالها فتخبر أن أمر الدنيا قد أنقضى وأمر الآخرة قد أتى فيكون ذلك جوابًا لهم عند سؤالهم.
وقال الزمخشري يجوز أن يكون المعنى تحدث بتحديث أن ربك أوحى لها أخبارها على أن تحديثها بأن ربك أوحى لها تحديث بأخبارها كما تقول نصحتني كل نصيحة بأن نصحتني في الدين فـ: {أخبارها} عليه هو أن ربك أوحى لها والباء تجريدية مثلها في قولك لئن لقيت فلانًا لتلقين به رجلًا متناهيًا في الخبر وكان الظاهر تحدث بخبرها بالأفراد وكذا على ما قبله من الوجهين لكن جمع للمبالغة كما يشير إليه المثال ونحوه قول الشاعر:
فانالني كل المنى بزيارة ** كانت مخالسة كخطفة طائر

فلو استطعت خلعت على الدجى ** لتطول ليلتنا سواد الناظر

ولا يخفى بعده وبالغ أبو حيان في الحط عليه فقال هو عفش ينزه القرآن عنه وأراد بالعفش بعين مهملة وفاء وشين معجمة ما يدنس المنزل من الكناسة وهي كلمة تستعملها في ذلك عوام أهل المغرب وليس كما قال وجوز أيضًا أن يكون {بِأَنَّ رَبَّكَ} إلخ بدلًا من {أخبارها} كأنه قيل يومئذ تحدث بأن ربك أوحى لها لأنك تقول حدثته كذا وحدثته بكذا فيصح إبدال بأن إلخ من أخبارها وان أحدهما مجرور والآخر منصوب لأنه يحل محله في بعض الاستعمالات وليس ذلك في الامتناع خلافًا لأبي حيان كاستغفرت الذنب العظيم بنصب الذنب وجر العظيم على أنه نعت له باعتبار قولهم استغفرت من الذنب لأن البدل هو المقصود فهو في قوة عامل آخر بخلاف النعت نعم هو أيضًا خلاف الظاهر وبعد كل ذلك اللائق أن لا يعدل عن المأثور لاسيما إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بقي هاهنا بحث وهو أنهم اختلفوا في نحو حدثت هل هو متعد إلى مفعول واحد أو إلى أكثر فذهب الزمخشري وغيره ونقل عن سيبويه إلى الثاني وهو عندهم ملحق بأفعال القلوب فينصب مفعولين كحدثت زيدًا الخبر أو ثلاثة كحدثته عمرًا قائمًا فأخبارها عليه هو المفعول الثاني والمفعول الأول محذوف كما أشرنا إليه ولم يذكر لأنه لا يتعلق بذكره غرض إذ الغرض تهويل اليوم وأنه مما ينطق به الجماد بقطع النظر عن المحدث كائنًا من كان.
وقال الشيخ ابن الحاجب إنما هو متعد لواحد وما جاء بعده لتعين المفعول المطلق فعمرًا قائمًا في حدثت زيدًا عمرًا قائمًا منصوب لوقوعه موقع المصدر لا لكونه مفعولًا ثانيًا وثالثًا ولا يقال كيف يصح أن يقع ما ليس بفعل في المعنى أعني عمرًا قائمًا مصدرًا لأنه لم يكن مصدرًا باعتبار كونه عمرًا قائمًا ولكن باعتبار كونه حديثًا مخصوصًا فالوجه الذي صحح الإخبار به عن الحديث إذا قلت حديث زيد عمرو قائم هو الذي صحح وقوعه مصدرًا فإخبارها عليه في موقع المفعول والمفعول به محذوف لما تقدم.
بل قال بعضهم إنك إذا قلت لاحدثته حديثًا أو خبرًا فلا نزاع في أنه مفعول مطلق والظاهر أن الأخبار في زعمه كذلك وتعقب ذلك في (الكشف) بأن ما ذكره الشيخ غير مسلم فإنه لم يفرق بين التحديث والحديث والأول هو المفعول المطلق كيف وهو يجر بالباء فتقول حدثته الخبر وبالخبر ومعلوم أن ما دخل عليه الباء لا يجوز أن يكون مفعولًا مطلقًا وقد يقال كون الشيخ لم يفرق في حيز المنع وكيف يخفى مثل ذلك على مثله لكنه قائل بأن أثر المصدر ومتعلقه قد سد مسده فيما ذكر كما سد مسده آلته في نحو ضربته سوطًا ولعل ما قرره في غير ما دخلته الباء وقال الطيبي يمكن أن يقال إن حدث وأخواتها متعديات إلى مفعول واحد حقيقة وجعلها متعديات إلى ثلاثة أو إلى اثنين تجوز أو تضمين لمعنى الإعلام واستأنس له بكلام نقله عن المفصل وكلام نقله عن صاحب الإقليد فتأمل.
وقرأ ابن مسعود {تنبئ أخبارها} وسعيد بن جبير {تنبئ} بالتخفيف. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

(99) سورة الزلزلة:
نزولها: مدنية.
نزلت بعد سورة (النساء).
عدد آياتها: ثمانى آيات.
عدد كلماتها: خمس وثلاثون.
عدد حروفها: مائة وتسعة عشر حرفا.
مناسبتها لما قبلها:
ختمت سورة (البينة) قبل هذه السورة بما يلقى الكافرون، من عذاب، خالدين في النار، وبما يلقى المؤمنون، من نعيم، خالدين فيه خلودا مؤبدا في الجنة..
وجاءت سورة الزلزلة محدثة بهذا اليوم الذي يجزى فيه كل من الكافرين والمؤمنين هذا الجزاء الذي يستحقه كل فريق منهم، فكان عرض هذا اليوم، وإخراج الناس فيه من قبور هم للحساب والجزاء- كان عرض هذا اليوم منظورا إليه من خلال صورتى النار والجنة اللتين تحدث عنهما السورة السابقة- كان أبعث المرهبة منه، والخشية من لقائه.
قوله تعالى: {إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالها وَقال الإنسان ما لَها} هذا من إرهاصات يوم البعث والنشور، حيث تزلزل الأرض وتضطرب، وهذا الزلزال الذي سيقع لها يوم البعث، هو زلزال خاص بهذا اليوم، ولهذا أضيف إليها في قوله تعالى: {زلزالها} وكأنه هو الزلزال الوحيد الذي تزلزله، م 104- التفسير القرآنى.
{إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (1: الحج). أما ما يحدث من زلزال للأرض فيما قبل هذا الزلزال، فلا حساب له، إذا نظر له من خلال هذا هذا الزلزال العظيم..
وفى هذا اليوم تخرج الأرض أثقالها، أي ما حملت في بطنها من أموات، فكأنها تلدهم من جديد، كما تلد الأم أبناءها، بعد أن يتم حملها، وتثقل به بطنها.. كما يقول سبحانه: {فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (189: الأعراف)..
وقوله تعالى: {وَقال الإنسان ما لَها}؟ هو سؤال عجب ودهش، يسأله الإنسان نفسه بعد أن تلفظه الأرض من بطنها، وتلقى به على ظهرها.. إنه ينكر هذا الذي حدث.. لقد كان في بطن الأرض، فماذا أخرجه منها؟ وماذا يراد به؟ وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قالوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا}؟ (51- 52 يس).
وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها}- هو جواب الشرط {إذا} في قوله تعالى: {إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها} أي في هذا اليوم، يوم البعث والنشور، الذي تزلزل فيه الأرض- تحدث الأرض {أخبارها} أي تظهر الأرض أخبارها التي كانت مكنونة في صدرها..
وفى التعبير عن إظهار أخبارها بالتحديث- إشارة إلى أن أحداثها التي يراها الناس يومئذ، هي أبلغ حديث، وأظهر بيان، فهو شواهد ناطقة بلسان الحال، أبلغ من لسان المقال..
وفى التعبير عن خبء الأرض، وما تخرجه من بطنها بلفظ الأخبار- إشارة أخرى إلى أن هذه الأسرار المضمرة التي كانت مخبوءة في صدر الأرض، قد أعلنت وأصبحت أخبارا يعلمها الناس جميعا.. وهذا ما يشير إليه الرسول الكريم بقوله، وقد سئل صلوات اللّه وسلامه عليه عن معنى قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها}.. فقال: «أتدرون ما أخبارها»؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم.
قال: «أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها.. تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا..»
وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها} أي تنشر أخبارها، وتظهر أسرارها، وتخرج خبأها.. {إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالها وَقال الإنسان ما لَها يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها}.. فالضمير (ها) الذي يعود إلى الأرض في {زلزالها} و{أثقالها} و{ما لها} و{أخبارها} يشير إلى أمور خاصة بالأرض في هذا اليوم، يوم ينفخ في الصور، للبعث والنشور.. فللأرض في هذا اليوم زلزالها الذي ينتظرها، ولها أثقالها التي تخرجها، ولها هذا التساؤل الذي يتساءله الناس عنها، ولها حديثها الذي تحدثه للناس، وعن الناس، في هذا اليوم الموعود.
وليس هذا الذي رآه الناس من أحداث الأرض يومئذ هو من تلقاء نفسها، وإنما ذلك بما أوحى به إليها ربّها، وما أمرها اللّه به، فامتثلت له، وأمضته كما أمر اللّه..
وفى قوله تعالى: {أوحى لها}- إشارة إلى أنها بمجرد الإشارة إليها من اللّه، خضعت لمشيئة اللّه.. فلم تكن في خضوعها لربها محتاجة لأن يردّد عليها القول، أو يؤكد لها الأمر.. بل هو مجرد اللمح والإشارة.. وهذا هو شأن الخاضع المطيع، الذي لا إرادة له مع من يأمره.. إنه لا يحتاج إلى أمر صريح مؤكد، بل تغنى الإشارة عن العبارة..
فالوحى هنا، هو التلميح، دون التصريح، والإشارة دون العبارة.. وهذا من معنى قوله تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ} أي حق ووجب عليها الامتثال والطاعة. اهـ.